"من علامات الساعة : الاستخفاف بالدم"
الشيخ /عبدالله بن فيصل الأهدل
الخميس 1437/06/22هجرية
الجرأة على دماء المسلمين ؛ عُرفَ بها طائفتان في تاريخ المسلمين .
الأولى : الحكّام المتسلّطون المتخوّضون في دماء المسلمين .. والذين يظنون بجهلهم أن رئاستهم إنما تثبت بالظلم وسفك الدماء كما فعل الحَجّاج وغيره .
الثانية : هم الخوارج المقاتلون الذين يقتلون أهل الإيمان , ويدَعون أهل الأوثان , وإثخانهم في المسلمين معروف .
ولا يزال بلاء هاتين الطائفتين على المسلمين قائماً , كفى الله المسلمين شرّهم أجمعين , وحمى الله المسلمين منهم برحمته .
لكن الجديد في عصرنا أن الطائفة الأولى استطاعت أن توظّف الطائفةَ الثانية في قتل أهل الإسلام , كما استطاعت عبر التاريخ أن توظّف ثلّةً من العلماء يُفْتون لها ويعتبرون أنّ من خرج عليها هو خارج عن شريعة الإسلام ومن ثَمّ حلال الدّم يجب قتله وقتاله ,وهذا الصنف من العلماء كما يقول عنهم ابن تيمية يدخلون في أهواء الملوك ..
فنقول لكلا الطائفتين - لعلّهم يتقون أو يُحدثُ لهم ذكراً - :-
إنّ الأحاديث المصرّحة بحرمة دم المسلم الذي يقول لا إله إلا الله , ولم يرتكب ما يوجب عليه حدّاً أو قصاصاً .. هو الأصل الأصيل الذي يجب الركون إليه , ولا ينتقل منه إلا بيقين , أذكر واحداً منها :-
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىَّ بَعَثَ إِلَى عَسْعَسِ بْنِ سَلاَمَةَ زَمَنَ فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ اجْمَعْ لِى نَفَرًا مِنْ إِخْوَانِكَ حَتَّى أُحَدِّثَهُمْ.فَبَعَثَ رَسُولاً إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَ جُنْدَبٌ وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَصْفَرُ فَقَالَ تَحَدَّثُوا بِمَا كُنْتُمْ تَحَدَّثُونَ بِهِ. حَتَّى دَارَ الْحَدِيثُ فَلَمَّا دَارَ الْحَدِيثُ إِلَيْهِ حَسَرَ الْبُرْنُسَ عَنْ رَأْسِهِ فَقَالَ إِنِّى أَتَيْتُكُمْ وَلاَ أُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكُمْ عَنْ نَبِيِّكُمْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ بَعْثًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّهُمُ الْتَقَوْا فَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا شَاءَ أَنْ يَقْصِدَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ لَهُ فَقَتَلَهُ وَإِنَّ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَصَدَ غَفْلَتَهُ قَالَ وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَتَلَهُ فَجَاءَ الْبَشِيرُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ خَبَرَ الرَّجُلِ كَيْفَ صَنَعَ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ « لِمَ قَتَلْتَهُ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهَ أَوْجَعَ فِى الْمُسْلِمِينَ وَقَتَلَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا - وَسَمَّى لَهُ نَفَرًا - وَإِنِّى حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى السَّيْفَ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- « أَقَتَلْتَهُ ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ « فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِى. قَالَ « وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». قَالَ فَجَعَلَ لاَ يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ « كَيْفَ تَصْنَعُ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».رواه مسلم .
إن سبب كثرة القتل , وسبب الفوضى التي نشاهدها في العالَم العربيّ والإسلاميّ اليوم , هما سببان :
الأول : عدم تحكيم شرع الله ؛ قال - صلى الله عليه وسلّم - : (( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم ))
الثاني : موالاة الكفّار ؛ قال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } . وهذا السبب يرجع في حقيقته إلى السبب الأول , وعليه فكلّ مشاكل العالَم العربي والإسلامي ترجع إلى عدم تحكيم شرع الله .
فنقول للحكام إذا أردتم عزّ الدنيا والنجاة في الآخرة فلا بدّ أن تلتحموا بشعوبكم حقيقة , فشعوبكم تريد الإسلام وأنتم بها - بعد الله - أقوياء ، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } وقال تعالى : { من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة } ، فهو جلّ وعلا الذي تطلب منه الدنيا والآخرة .
أتخشون الغرب ؟؟ { فالله أحقُّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين } واللهِ لو أرضيتم ربّكم لن تستطيع جيوشهم ولا أسلحتهم النووية أن تهزمكم , وبِيدِكم من الأوراق والأساليب ما ستحسنون به إدارة الصراع .. واللهُ معكم { إن تنصروا الله ينصركم } وما لم .. فانتظروا العقوبات الإلهية . { فأهلكنا أشدَّ منهم بطشاً ومضى مثل الأولين } .
ونقول للطائفة الثانية وهم الغالون من الجهاديين ( خوارج العصر ) : اتقوا الله في دماء المسلمين , واعلموا أنّ استحلالها والاستخفاف بها أمرٌ خطير { وَمَنْ يَقتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } .
والقولُ بتكفير الخوارج هو مذهب أبي سعيد الخدري وغيره من الصحابة , وهو رواية عن الإمام أحمد لاستحلالهم الدم الحرام , ألا تخشون من ذلك ؟ أين الورع ؟ !!
وليكن لكم أسوة في أسلافكم الذين جلسوا لعلماء الصحابة - كابن عبّاس - وسمعوا منهم وحاوروهم وتراجع من كتب الله له النجاة من هذه الفتنة العمياء .. فالأمة فيها خير, فاستمعوا لعلمائها الربانيين الصادقين وخذوا العبرة من التاريخ .. اللهم جنب المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بَ
|